لماذا قتل أمجد عبدالرحمن؟

سابقاً كان مفهوم الوضع الأمني للشخص السياسي المعارض بالنسبة للمجتمع اليمني مقروناً بمخاطر في حياته الشخصية لا مفر منها. فهذا قدره. هكذا تم تصدير هذه الصورة النمطية للمجتمع أثناء فتره حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح  حتى يصبح السياسي إنساناً خائفاً متوجساً لا يأمن غدر اللحظة التي يعيشها. و بعد تغير الوضع منذ العام  2011م لم تعد حالة السياسي كذلك؛ لقد أصبح السياسي المعارض شخصاً منبوذاً اجتماعياً؛ لأنه لم يعد محاطاً بالهالة الأسطورية المرتبطة بالشهادة وبالعمل السري. أصبح المواطنون اليمنيون العاديون يخافون على أنفسهم من السياسيين بمختلف توجهاتهم ومشاربهم. لم يعد اليمني يأمن شيئاً في حياته. يسري المرء في المدن والقرى وهو ينتظر قدره المحتوم. أصبح المرء في هذا البلد الفقير الممزق المخنوق لا يطمح في شيء إلا السلامة وأن يمر اليوم والليل وهو حي.

في اليمن يبدو سلم الاحتياجات الإنسانية الذي طوره ابراهام ماسلو فاقداً لفاعليته التفسيرية. إن الحاجات الفسيولوجية الأولى للإنسان أضحت شبه غائبة في بلد أصبح بعض مواطنيه في مجاعة حقيقية. إنها أكبر كارثة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية حسب الأمم المتحدة. الجميع هنا يموت بالتسلسل من لم يمت بالحرب مات من المرض ومن لم يمت بكلاهما مات من الجوع ومن انتقل تصاعدياً في هرم الاحتياجات للبحث عن حاجة الأمان فستقتله الجماعات التكفيرية الإرهابية؛ كما قتلوا أمجد عبدالرحمن أحد الشباب اليمنيين المثقفين الذي اغتالته رصاصاتهم في عدن؛ لأنه فقط مختلف عنهم فكرياً فيما يكتب أو يقول. لقد حمل الفكر ضد الارهاب وحمل الورد ضد البارود. لم يكن يعلم أنه يعيش في مدينة قد انغرزت فيها أيادي الإرهاب والتكفير والظلام. كان يحلم في بلد أضحى فيها القتل مهنة وسلعة ووسيلة وغاية. حزن المتنورون المشردون في أرجاء الأرض لقتل زميلهم أمجد، وأصيبوا بخيبة أمل مرة. أي مستقبل ينتظر هذه البلد التي يغتال فيها خيرة أبنائها في زهرة شبابهم و تشرد فيها العقول النيرة؟. قتل أمجد على مرأى ومسمع من الجميع دون رقيب أو حسيب. أمجد ضحية من ضحايا الإرهاب المتلفعة بتهم الإلحاد، وستقيد القضية ضد مجهول كسابقاتها.

إن اغتيال أمجد كاغتيال غيره في شمال البلد وجنوبه وشرقه وغربه هو اغتيال لمستقبل جيل؛ جيل كان يطمح في أن يعيش حياة متسقة مع شروط العصر ومقتضياته. إن اليمن اليوم بحاجة إلى سنوات متضاعفة كي يتعافى ويتجه نحو السلام والمواطنة المتساوية والإيمان بكرامة الإنسان وحقه في التساوي مع غيره والاختلاف عنهم في نظرته للحياة وممارستها بحرية.

 

أحمد أنيس الدبعي

ناشط يمني