صوفيا ... ولا تلوث السمع!!!
 

في أحشاء محيطه الهادئ بأمواج الصمت المتلاطمة بأمواج ظلام حالكة تبدو صنعاء متوسدة وجه الأرق، وروحها تستوقد اشتعالات القلق كالذي يكون على موعد يعلم أنه قادم لا محالة لكنه يجهل ماهيته.

يلقى أبو غاندي بظهره على كنبة مجلس الغرفة الغارقة بالاعتام في الليلة الظلماء كسائر الليالي السوداء للمدينة، وأخذ بصمت وديع ينسلخ من جسده الجني، ويغادره عبر الشبكة العنكبوتية ناحية روحه، ووعيه اللذين بقيا هناك في مدينة صوفيا قبيل ربع قرن وعاد بدونيهما.

بينا وعيه يجوب شوارع وأحياء، وحدائق ومتنفسات مدينة صوفيا فجأة وعلى حين غرة منه يتنامي من الجوار بالنعيق موتور كهربائي أعاد وعيه إلى جسده المتسطح أريكة الغرفة بعشيقة السل والجرب صنعاء.

يتكرر إزعاج الموتور ـ ولكن على نحو ملفت أكثر إذا تغير صوته من نعيق إلى ما يشبه نهيق حمار شارف مزكوم.

يجر نهدة اجتثها من كل شعيرة في جسده، وأعماق أعماق روحه المثخنة بطعنات الدهر العبثي الذي أجبله على غير اختياره، وغير إرادته في أن يكون جزء من هذه الأرض التي ما فتأت تحن إلى العيش في أبسط شروط الحياة... جر نهدة وقال: أن عواقب وأضرار التلوث السمعي لا يقل عن الأضرار التي تخلفها الحرب.

إن الأضرار التي تخلفها مئات آلاف الموتورات الكهربائية لاستعاضة الناس بها عن خدمات الكهرباء العمومية الخارجة عن الخدمة الوطنية لا سيما خلال فترة الحرب .... إن أضرار ومخلفات تلك الموتورات لا تقل أثارها المترتبة عنها عن الأضرار الكبيرة التي خلفتها الحرب.

بل لا أبالغ إذا ما قلت إن الحرب لم تتسبب بأي تلوث سمعي، كالذي كانت تتسبب به الموتورات الكهربائية المنثورة كالفراش المبثوث في الريف والحضر، وقلما لا يقع النظر على موتور كهربائي فوق معظم شرفات وأسطح المنازل والعمارات، وجوار أبواب المحلات المختلفة في الشوارع والأحياء والحارات.

يا إلهي ....! كيف نستطيع الحياة داخل محيط الضوضاء الذي تظل تصخه هذه الموتورات الفوضوية الملعونة الناقصة الأدب بالإزعاج الذي تبثه داخل وفوق وحول الأشياء حتى فراغات الهواء وسماء المدن التعيسة.
بالله عليك ــ موجهاً كلامه ناحيتي ـــ بالله عليك كيف نستطيع داخل هذه الفوضى.... وإلى متى؟

يا عزيزي إن مثل هذا الإزعاج له تبعاته المرعبة على النفس، وعلى التفكير، وعلى الحياة كل الحياة.

هززت رأسي بالإيجاب فأردف متخذاً قراره النهائي:
أتمنى أن تضع الحرب أوزارها بسرعة وسأسافر إلى هناك .... نعم إلى هناك .... حيث تركت قلبي وروحي ووعي ... نعم سأعود إلى هناك .... إلى صوفيا.

يتثاءب ... يمدد ساقيه على طول الكنبة، ويضع ساعده الأيمن على جبهته، ويهمس بإبهامه على شاشة موبايله، وراح يسبح مع أغنية بلغارية لم أفقهها، ولكنني استشعرت من موسيقاها، ومدى وملاءمتها لروحه في تلك اللحظة التي هو عليها من أنها أغنية بلغارية.
.......
صنعاء 8 آب / أغسطس 2015

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص