توقفوا.. دعونا نلملم بقايانا الأن

قلت هذا مراراً: لم تكن مجرد مشاكسة للجرح أو هباء توحدنا به في شارع الهذيان كي يعم الضجيج.. هي ليست محض انفعال طافح أو حالة عابرة أستبد بها وهمنا الفائض هنا.. أبداً ، إنها الفرصة الأخيرة لفيضان أوجاع لم يعد يحتملها العمر.. بل هي الأمل الوحيد، ولكن، تباً ل"شمس" تسرق لا تشرق، ويد تذبح ثم تلين ()

 

***

ياترى، هل أدرك الجميع فداحة تجاهلهم، صفارة إنذار الحادي عشر من فبراير 2011م؟! لقد كانت فعلاً إشارة حمراء؛ بأن هذا البلد تشبع بالقهر ولم يعد يحتمل مزيداً من العبث وفقاً للبرامج والاساليب المزمنة؟!.

أتذكر.. حينما أنشق نصف النظام، الإخوان، والجيش

(علي محسن وبيت الأحمر ) وأعلنوا إنضمامهم "السلمي" للثورة الشبابية (السلمية)، عقب مجزرة جمعة الكرامة، كنا يومها نحن المتوحدون في الساحات نعتقد بأنهم قد أدركوا الخطر.. إلا أن الأيام أثبتت عكس ذلك؛ فانضمامهم لم يكن سوى سقوط نحو الأعلى لتصدر الزخم الثوري الشاب والإلتفاف عليه ومحاصرة "صالح"، باعتباره (عفاش) العدو الوحيد!.

من هنا، وعلى الرغم من أن ذاك الزخم قد تم اجهاضه بالمبادرة الخليجية، التي أحسنت في إخماد جذوة الحرب(تأجيلها) والتوفيق بين الأطراف، ولكن بلا مصالحة وطنية حقيقية وخارطة طريق تضمن تجاوز حالة الإستعداء وعدم الاستقواء بالسلاح..

فشل المتصدر للمشهد الثوري، والذي كان يفترض أن يبادر بالفعل في تجسيد المشروع الوطني، وراح يستبيح مفاصل الدولة العسكرية والمدنية والمضي في أخونة الوظيفة العامة مستعدياً كل الأطراف وبالأساليب والبرامج نفسها التي ثار الناس ضدها.

ثلاث سنوات فقط ،  وإذا ب"الحوثي" يخرج من كهفه مستعرضاً مليشياته الثورية صارخاً : (شعبي العظيم.. إننا قلقون)! وبتحالف خبيث مع "صالح"وجيشه، تحركا ضد (الإخوان) كعدو مشترك..

كنا كعادتنا نعتقد.. بل نظن بأنه ربما يفعل هذا مستثمراً الفشل الحاصل ومستوعباً الدرس، أقصد (هنا) الحوثي، كونه ظاهرياً قدم من خارج المنظومة السياسية المعروفة.. لكنه كرر أخطاء سابقيه وبفداحة أكبر، وعليه كان أقلهم حظاً؛ لقد أخذ "الجرة" بكلها عند وصوله العاصمة صنعاء، وبكل أسف لم يشعر بأي أهمية لذلك وذهب عبثاً يبحث عن "جبل الجرة" في (تعز) لإحكام سيطرته عليه، وذلك بعد إن توارى خصمه من أمامه فجأة، فاتحاً له المجال ليهرول هكذا بلا غطاء سياسي في مواجهة الشتات وتعزيز "الوحدة الوطنية"جنوباً، بالغباء الكارثي نفسه!.

وهاهم اليوم يدفعون ويدفعونا الثمن غالياً.

 

قلنا: نعم، تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، ولكن قد تأتي سفن بما لا تشتهي رياح.

لقد فشل الوعي السياسي والذي يعد الركيزة الأساس لإيجاد مشروع وطني، في الخروج من الأزمة ولو بشبه إجماع يوفق بين المصالح الخاصة والمصلحة العامة، فتطور الأمر بمراكز القوى تلك إلى الاستقواء بالسلاح المتكدس هنا وإشعال حرب داخلية.. هكذا اليمني يقتل يمنياً تحت شعارات مختلفة حتى تم تغييب صوت العقل تماماً..

لذا، لا غرابة أبداً، وقد أنفرط العقد في بلد مؤثث بالسلاح، أن يبدأ العالم كله، وليس طرف بعينه بإعادة النظر في الحالة اليمنية العنيفة والمنفلتة بقلق، كحالة مرضية خطيرة لا تهدد دول الجوار فحسب بل تهدد دول الإقليم والسلم العالمي أيضاً، حيث وهناك شعب في الداخل كما يبدو إما (قاصر) ويحتاج لمن يتبناه ويحفظ مصالحه لمرحلة ما.. أو (مجنون) ولابد من إخضاع الجميع لعملية حجر صحي (عسكري) حتى يتحسن ويصبح قادراً على ادارة شؤون حياته..

أقولها بمرارة:

لو .. لو أن إخواننا (الاصلاح) وبقية القوى السياسية الأخرى مع هادي، أصلحوا ما أفسدوه و"صالح"، وتصالحوا مع أنفسهم ومع الجميع هنا، لكنا قطعنا شوطاً في الطريق إلى بر الأمان وما وصلنا إلى هكذا حال، وبالطبع، رغم كل ذلك، لو أن"أنصار الله" لم يكونوا في الواقع أنصار الحرب وتوقفوا على الأقل عند "إتفاقية السلم والشركة" وأكتفوا بذلك الانتصار، "كحركة ناشئة" غدت وبفترة وجيزة طرفاً في المنظومة السياسية للبلد، لتبدأ من هناك في استثمار اللحظة وفق رؤية سياسية معقلنة..لجنبوا أنفسهم والبلد الثمن الباهض الذي ندفعه اليوم في مغامرتهم العابثة وتحالفهم الخبيث مع "صالح" منتهي الصلاحية الذي قادهم انتقاماً من الجميع نحو مصيره المحتوم والانتحار الكبير.

وبالتأكيد، فالحرب هي الحرب، بلدي أو خارجي.. لا فرق، ما يقتل كثيره، فقليله حراااام.

 

هكذا إذاً، جميعنا مخطئون.. اليوم هويتنا تتأكل ونسيجنا الإجتماعي يتمزق.. لا دولة ولا شعب ولا وعي مدني كاف يمكن أن يشكل ركيزة لبناء وطني، إنه سجن كبير يضج بالموتى والانتهازيين والمرتزقة، ومخزون هائل من القهر ينذر بكارثة انسانية، ومع ذلك نصر على عدم الاعتراف بأننا جميعاً نشكل أطراف المشكلة التي تتجسد بنا اليوم كإشكالية مزمنة وصارخة بكل هذا الخراب الفاضح!.

أخشى حقيقة أن نخرج من بين ركام هذه الحرب الملعونة بلا مشروع وطني أو خارطة طريق تمكننا من التعايش والمضي بأمان وتجاوز دوامة الهدر واللاجدوى.

خصوصاً واخواننا "الطيبين" الحاضرين بقوة في الداخل والخارج، يستثمرون اليوم  (عاصفة الحزم)؛ في تصدرهم حالة الرفض الشعبي، وربما يساورهم طموحهم باستغلال ضعفنا وقلة حيلتنا ليعودوا مجدداً بعدتهم وعتادهم فيعصفوا بالجميع ثانية!.

 

الحقيقة.. لقد بلغنا ذروة القهر، ولايمكننا البقاء في المربع نفسه.. هذا ما يجب أن ندركه جيداً، بالتالي، كل ما نحتاجه اليوم فقط هو أن نوقف ماكينات العنف والعنف المضاد ونعيد النظر في كل ما جرى بنا ونقف على الواقع بعقل، ومن ثم الخضوع للحاجة الموضوعية الشاخصة وبما يضمن التعايش والسلام، والبدء بتنفيذ مخرجات الحوار الوطني؛ كحل أسلم سبق وإن توافقنا عليه وانجزناه أملاً لتجاوز هذا القدر العبثي، والحاصل قد أكد وبكل ما لا يدع مجالاً للشك أهمية وضرورة وجود دولة هنا بأي شكل.. دولة يمنية ولو بالحد الأدنى، وهذا ما نريده.. نعم، لا مصلحة في استمرارنا على هذا النحو.. لا لقوى الداخل ولا للقوى الخارجية الفاعلة.

فدعونا نبدأ.. لنبدأ فقط، كفاية،

كم جهدنا لنتحمل كل هذا البؤس؟.

تأملوا.. كم نحتاج من الضياع حتى نجدنا بين هذا الركام المتراكم بنا؟!.

كم من العمر نحتاج لنتجاوز كل هذا الخراب الباذخ، وكم نحتاج من السلام لكي ننسى ونلملم أشلاء هويتنا المتناثرة على كل الجهات ونقف هاتفين:

أنا يمني ؟؟!

***

كم هو مؤلم أن تحاصرك الحرب من كل الجهات وتجد نفسك عالقاً بين الموت والموت وحيداً متشبثاً بروح لا تجيد فنون القتال..

إنسان تريد فقط أن تحيا بسلام.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص