على مذبح الانتحار الكبير

استغلال التشوهات المزمنة في نسيجنا الاجتماعي واثارة الجراحات الغائرة في جسدنا المتعب بالفقر والخوف والمرض وتعزيز حالتنا المرضية بتغذية عكسية تبقينا في حالة انفصام ودوامة صراع تنسف كل مقومات الحياة والتعايش والسلام وبالتالي إيهامنا إعلامياً وسياسياً وعسكرياً بأن لا مناص إلا باجتثاث بعضنا ببعض وخراب البلاد..

 

هي عملية ممنهجة مكشوفة  بالتأكيد لا تحل الإشكال الحاصل بقدر ما تشرعن فقط لمستقبل أكثر تشوهاً واستبداداً وتسلطاً..

بدورنا نلفت النظر حولها بقلق بالغ.. محذرين من مغبة التعاطي معها والإمعان في خوض غمارها عبثاً؛ مؤكدين أن البلد قد تشبع بالقهر ولا يمكن السيطرة  على أوجاعه الطافحة بهكذا أساليب إنتهازية.

....

..

المشاريع الوطنية لا تتحقق إلا  بالاختلاف والتعدد والتوافقات السياسية السلمية الوطنية، أقول السلمية الوطنية بالتأكيد!.

وهنا ينبغي _على الأقل_ وجود خطاب سياسي عقلاني يتجاوز الفعل ورد الفعل ويتبنى الحاجة  الموضوعية الشاخصة بصدق وعقل وضمير؛ حاجتنا الملحة لمشروع وطني كبير وجامع يعد غيابه هو أس وأساس الاشكالية المترامية الاطراف هنا، نعم، خطاب لا أكثر ولو بالتوازي مع العمليات العسكرية التي فرضت علينا كأمر واقع!.

 

الحوثي، صالح، الإصلاح، القبيلة، القاعدة ومن لف لفهم.. إلى الاحزاب وهادي والوعي السياسي عموماً.. كلهم نتاج فشل سياسي متراكم وممتد منذ زمن؛ كل طرف يمثل مشكلة حقيقة وهم اليوم بما فيهم الوعي الشعبي يجسدون كل هذا الخواء الرهيب والخراب الباذخ.

 

يتحمل (الحوثي/صالح) الجزء الأكبر من المسؤولية كونه النتيجة والسبب في ما آل إليه الوضع مؤخراً من استعداء واستدعاء للخارج واشعال حرب مفتوحة؛ كان بإمكاننا تجاوزها لو أنهم تنازلوا قليلاً واكتفوا بالسلم والشراكة والمضي في خارطة طريق أمنة لتنفيذ مخرجات الحوار الوطني..

 

لا ننكر هنا أن المسؤولية جماعية، أبداً، ولكن بما أن تحالف (الحوثي/صالح) قد أجهض المسار السياسي السلمي عنوة وتقلد زمام الإنفلات العنيف هكذا كوريث شرعي، فهو المسؤول الأول القادر على إيقاف نزيف الدم اليمني واسقاط كل المبررات أمام من يتربصون بنا في الداخل والخارج لإستمرار مسلسلات تشييعنا.

وبالمقابل تستطيع بقية الأطراف لعب نفس الدور والتفكير باليمن التي هي ملكنا جميعاً ملك أجيال لا يعنيها فشل هادي والأحزاب في إدارة المرحلة الانتقالية، أو إمتلاك صالح للجيش أو سلاح الحوثي وميليشياته أو القاعدة

أو.. أو غيرها، لا شأن لها بما يحصل مطلقاً!.

 

كارثة حقيقة أن يصل بنا الخلاف حد القتل وتدمير الأرضية المشتركة التي تجمعنا وعليها نختلف..

كارثة أن يختزل بلد_ بشعبه بمختلف مكوناته من مثقفين ومفكرين ومبدعين واقتصاديين وسياسيين وشباب_ ما بين حوافيش ودواعش ويصبح الوطن جملة اعتراضية!.

لكنها مع الأسف هي نتيجة طبيعية لعمليات التجريف المتواصلة للوعي وسياسات التجهيل والإفساد وعسكرة الحياة؛ هي باختصار نتيجة طبيعية لغياب الدولة كمنظومة ومظلة وطنية وعقد إجتماعي يحتكم إليه الجميع؛ لقد صار المجتمع اليمني اليوم بمكوناته المختلفة ضحية هو نفسه الجاني والمجني عليه في أن.

 

دعونا إذاً نحاول إستدعاء ماتبقى لدينا من عقل؛ لنرمي بأسلحتنا بعيداً وننظر في وجوه بعضنا البعض عسى أن نخجل قليلاً ونبدأ في لملمة أشلاء هويتنا المتناثرة، ونعيد للوطن المذبوح حلمه المشتت والسلام.. دعونا نحاول الأن، سنتألم كثيراً لكننا سننجو، لا بأس، نتألم لنتعلم ونقاوم هذا التوحش بحزم ووعي مسؤول ونفكر في عمق وأسباب ما وصلنا إليه بدلاً من تعويم الاقتتال وتقديس الحرب كخيار وحيد.

ألا يكفي ما تم إنجازه حتى الأن   من قتل وخراب ودمار كثمن لتهيئة الساحة واستكمال الشروط الموضوعية لانبثاق الوعي الفصل من بين الركام وولادة يمن جديد؟!.

كفاية أرجوكم، البلد ينهار ويتشظى من تحت أقدام الجميع ولا مصلحة لأي طرف من الاستمرار على هذا النحو العبثي..

هادي خسران والحوثي خسران وحتى صالح خسران رغم شعوره بأنه يشبع رغبته في الإنتقام، الشعب اليمني خسران.. اليمن كلها أرضاً وانساناً خسران خسران خسران.

.....

...

أكتب هذا ودوي الانفجارات تهزني بحقد.. إنها الحرب تقترب مني بكل وقاحة واعتداد خبيث..

ترى، هل يمكننا أن نأمل هنا؟!

هل من وقفة تأمل في جدوى كل ما يحصل، أم أن الأمر قد حسم وما علينا إلا أن نختار طريقة موتنا على مذبح الانتحار الشعبي الكبير ؟؟!.

[email protected]

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص