القلب الذي تهاوى مثل جبل الثلج

قال يوسف زيدان ذات مرة ان الكتابة تثير في القلب كوامن العواصف ومكامن الذكريات تذكرت كلامة وانا اقرأ مرثاة ملحمية للصديق عدنان الراجحي استفتحها بعبرة على هيئة عبارة لم تغادر ذاكرتي منذ الامس "اصبحت اليوم في مأتم ابدي حتى وان فتحتُ حياة جديدة"..”

عدنان ينتمي الى جلينا كشبان قادمين من الريف و التحقوا مؤخراً بالمدينة والجامعة وكانوا على علاقة جيدة بالكتب التجارب التي اعادوا من خلالها تشكيل رؤيتهم الذاتية تجاه الحياة والمتعلقات بها ومن بينها الحب والحرية

مصادفات الزمان والمكان جمعتني بعدنان منذ كنا سوياً في مقدمة شارع هائل نلتقى في المقهى او تجمعنا الطريق التي كانت تربط بين سوق الرقاص وبقالة الوصابي كنا نلوح لبعض بالأيادي ونتكلم بجانب الرصيف على الشأن العام ونبحث عن سلوة خاطر تتعلق بجيل ثورة فبراير الذي تعرض لخيبات رأسية وافقية دون ان يفرط بتجميد الحب وتقدير المعرفة والحرية .

ثم انصرف انا وكمال حيدرة وحارث الثور وسليم الجلال نحمل اكياس الماء ومجلة الدوحة والكتاب المحلق بها الذي كنا نعتبره اهم المقتنيات الثقافية التي لها علاقة بما يهمنا نحن من الثقافة والفكر باعتبارها موقف وحرية كما نفهمها وقد لا يكون فهمنا صائب .

في ملامح عدنان الظاهرية شيء من الصرامة والجدية تجاه الحياة ويبدو للوهلة الأولى احد المحاربين المصريين القادمين للتو من معركة أكتوبر

وذات مرة مازحته متسائلاً "متى يتحول جبل الثلج في اعماقك الى سيل من العواطف " اعتقاد مني ان جديته وحرصة الدقيق على تنفيذ الالتزامات المتعلقة بحياته تعني ان عاطفة الحب ليست من أولوياته ابتسم وابتسم ووضع يده فوق اضلعه وقال باللكنة الشعبية "ماتعرفناش" .

صبيحة الفاجعة برحيل ماجدة قمت مذعور اتأمل الصديق محمد العليمي ينتف شعر شاربة باظافرة وهي عادة لم يفعلها محمد من قبل بينما كان عدنان ينشج الى المخدة القطنية التي تبللت كما لو انها في سطح منزل بمدينة اب ايام الصيف

القلب الذي تهاوى مثل جبل الثلج لم يكن يردد اكثر من عبارة "ماجدة ماتت " وكعادة المحزون لا يجد مكان يفرغ فيه احزانه بعد وفاة حبيبته الا قلب الام ..."اماه ماجدة ماتت" هذه اول جملة قالها عدنان لامه بعد كلمة "الووو "ثم رددها مراراً.. بعد ترديده لهذه الجملة والمكالمة بالغة الجرح والتأثير التي دارت بينه وبين امه ، بحثت لي عن مكان بين محمد القاسم والعليمي وجلست فيه ممسك بساعد محمد وحسيت اننا جميعاً نتهاوى من المبني كما تهاوت التايتنك ذات يوم في المحيط كما صورها الفيلم .

حتى مختار الجابري الذي تخيلت انه لن يذرف دمعة واحدة في حياته نتيجة اللاكتراث الجميل الذي يبديه تجاه مآسي الحياة رأيت اكثر من دمعتين نزلت من تحت اطار النظارة ولو لم نكن في لحظة مواساة لعدنان لقفزت الى الجو اصفق للجابري الذي يعيش يوميات تستحق التدوين باعتبارها مختلفة عن المألوف اليومي في حياتنا كشباب يمنيين في إسطنبول .

لقد عشنا يوم حزين في مخدعنا الجميل في النوفيا وهو اسم المبني السكني الذي يضم نحو 6 من الشبان العاملين في قناة بلقيس واغلبنا كنا نسكن في ذات الحي في مقدمة شارع هائل بصنعاء ومن بيننا 3 فقدوا خطيباتهم في حالة وفاة ولا يزالوا يبحثوا عن الحب الذي لن تدلهم عليه الكتب ومحركات البحث والبعض يعيش بنصف قلب والبعض بقلب كامل لكنه يحمل عكاز

 

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص