قلب تعز ..

عندما دخلت إلى هذه المدينة بعد غياب دام عشر سنوات شعرت بالخوف من ذلك الكم الهائل للصور التي وضعها الإعلام المشوه في رأسي عنها .

بدا لي حينها أن جبل القاهرة المطل عليها غول ينتظر دخولي ليدهسني بقدمه. ولكن لم تكن تلك الصورة سوى خيال مريض من صانعها وصدقها ذهني لأن المسافات التي كانت تفصلني عنها غيبت الحقيقة عني وعن الكثيرين .

في وسط تعز افترشت المدينة القديمة منذ القدم فاتحة ذراعيها للزائرين من كل أنحاء تعز وقراها،مرحبة ضاحكة مستعدة لتروي القصص لمحدثها طيلة نهاره .

لا شيء يشبهها سوا (فاكهة) تلك العجوز التي كانت تفترش الأرض وتبيع الفرسك(الجوافة) في سوق السائلة الذي ينتهي على باحة الباب الكبير المدخل الرئيسي للمدينة تحكي القصص للأطفال وكل من يتقدم للجلوس جوارها. ..

كنت أظن أنني لن أرى النساء في السوق بعد كم الشائعات التي سمعتها عن تحول المدينة إلى ثكنات للإرهابيين والقتلة وان سكانها أصبحو دواعش ..

ولكن هذا لم يكن سوا خيال مريض كما قلت لكم ، صحيح أن فاكهة لم تعد موجوده اليوم ولكن لازالت النساء يشغلن حيزا متسعا في هذا السوق .

هناك عجوز تبيع الكراث وشابة تبيع اللحوح وأخرى تبيع خمير مقابل محل الخضار الذي يبدو جديدا علي بعد هذا الغياب .. وروح فاكهة تزين السوق الذي يبقى حيا حتى المساء .

لا يزال البطاط والزلابية وجبة أهالي المدينة الأكثر شعبية، يتهافت الصغار والكبار لشرائه بعد العصر ويصرون على الإكثار من البسباس أو السحاوق (الفلفل مخلوط مع الطماطم والثوم ) عند تناوله ، اعرف الكثير ممن فتحو بيوتا واستثمارات من وراء بيع البطاط والزلابية .

ناهيك عن بقية الأطعمة التي لايمكن أن تجدها في مكان غير المدينة القديمة كالجبيز والبطاطيسو (كما كنا نسميه) والبرعي واللحيفة والكثير الكثير .

في هذه المدينة لا تزال حفلات الزواج هي الأكثر صخبا حتى اليوم والحمدلله ، أهالي المدينة يبحثون عن أي فرصة للرقص والغناء ويتشاركون افراحهم كما الحزن الذي حل عليهم منذ اندلاع الحرب وكانو الأكثر مقاومة لدحره .

لم يمر علي يوم هنا وأنا جالسة في غرفتي المطلة على الشارع إلا وسمعت صوت أحدهم يغني لام كلثوم أو نجات أو فائزة أحمد ، أنهم أبناء الحالمة الحقيقيون .. باصواتهم المميزة والجميلة التي تلون الليل وتؤنس السهارى.

إنها مدينة الفن والثورة. إنها الوجه الحقيقي لليمن السعيد الذي يسعى ضعاف القلوب لتشويهه .

ولاكون أكثر أنصافا أنها قلب تعز الذي يسعى المرتزقة وأصحاب المصالح لإيقاف نبضه.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص