المهمَّشون في اليمن.. قضية تجرح الضمير الإنساني

في حياة مأساوية مضرَّجة بشوائب الكمد والإلتياع يتجرع المهمشون كؤوس الفقر والحرمان وسلب الاستقرار المعيشي لهم بفقدان أدنى الحقوق الروتينية المساعدة على العيش في حياتهم الاجتماعية. 

 
يعاني المهمشون في اليمن من مشكلة الإقصاء والتمييز العنصري؛ باعتبارهم فئة خارجة عن إطار المجتمع البشري 
وفي اليمن تحديداً منذُ استعار نار الحروب في المشهد السياسي طمع تبني قضية المهمشين بطريقة صورية تهدف إلى تحقيق أهداف جماعات حاملة لمشاريع صغيرة تسلك على قاعدة النفوذ الشخصي لخدمة مصالحها، وذلك باستخدامهم واستغلال طاقاتهم الإنتاجية كقطعة فولاذية وبندقية لمواجهة خصومهم في جبهات القتال.. بعيداً عن أي نظرة إنسانية تقوم على التعامل الإيجابي والخلاق مع فئة المهمشين التي تعتبر فئة من فئات المجتمع اليمني يضمن لها الدستور والقانون جميع الحقوق العامة.. وبعبارات بارزة وشعار مطاطي يدغدغ مشاعرهم بطريقة شكلية تحت عنوان "أحفاد بلال" الصامدون في جباهات القتال.
 
ولكن تطور الأحداث والمستجدات في الواقع السياسي أثبت ما يضمره هؤلاء المستغلون لهذه الجماعة المهمشة وبأسلوب النزعة العشائرية القائمة على الفرز السلالي في المجتمع اليمني وأوجها التعامل اللاذع مع فئة المهمشين، هذا ما أثبتته أواخر الشهر الماضي حادثة الإحراق الانتهازي لعرمرم من المهمشين الأجانب الوافدين من أنحاء القارة السمراء، حيث تم صب النيران في وجوههم التي احترقت وتطايرت كأجنحة الفراش الساقطة.
 
ورغم القدرات والملاكات الفطرية الإبداعية لبعض أفراد المهمشين يتم إقصاؤهم من حق التعيين الوظيفي في جميع المؤسسات العامة والخاصة..
 
هذا ما يعيشه الشاب الحامل لأحلام جياشة في مستقبل واعد بالعطاء والنوال، وهو الشاب حسين الأصبحي، صاحب الكفاءة والنزاهة الحاصل على المؤهل العلمي من المعهد الصيني التقني في قسم محاسبة وضعت أمامه الثغور التي امتدت في وجه كاليم الرحيب والجسور العتيدة كي لا يطيق الوصول إلى ممارسة العمل المهني في القطاع الخاص والعام؛ نتيجة الفرز والتمييز العنصري الموروث من ثقافتنا التقليدية لهذا المجتمع الأبوي المجرد من أي مرونة وتجديد في التعامل مع الإنسان باعتباره كائناً مقدسًا من جميع البرايا في الطبيعة.
 
وبهذا الانحلال الأخلاقي القاتل للقيم والشمائل الحميدة في الصفة البشرية يتم اختيار وتعيين الموظفين في العمل الوظيفي بنظرة قاصرة خالية من أي منهجية في التقييم للمهن الاحترافية للعاملين.
 
وهذا التمييز والإخلاء والإبعاد المجتمعي لهم ولَّد حالة من ثقافة الصراع الطبقي في المجتمع وخلق الفوضى والعشوائية، واستخدام أدوات القوة والهيمنة في السيطرة على الثروة والسلطة في يد جماعة معينة تقوم على حكم الأقلية المناهضة لحكم الأغلبية، وعدم النظر أو الرجوع إلى مرجعيات دستورية تضمن حقوق الشعب في جميع الفئات والطبقات الاجتماعية.. حيث يتم استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير مقارنة بالخبرات والقدرات الذهنية العالية.
 
إن هذه الإشكالية المجتمعية التي ضرب بها التاريخ ابعاده لكنها لم تزل متأصلة على جذور تاريخية في نفوس المجتمع اليمني، وذلك في التعامل مع هذه الفئة المهمشة بنزعة الانتقام لقضية غير ملموسة في واقعنا المعيش سواءً وجودها على حبر ورق أو في كُتب التاريخ المذكورة  باعتبارهم أقليات وسكاناً غير أصليين ينتسبون لجذر وتراب البيئة اليمنية والتعامل معهم على أنهم حيوانات أليفة تخدم البشرية دون أي حق وظيفي لهم.
 
وهذا التعامل العنصري والتهميش المتعمد يولد نظرة العداء والحزن في أوساط هذه الجماعة إزاء هذا التعامل اللا إنساني من قبل السلطات والمجتمع أيضاً.
 
فإذا لم يتم تحقيق الشراكة المجتمعية وإلغاء الفوارق الطبقية في المجتمع تعد الدولة الراعية دولة شكلية خالية من سمات ومميزات الدولة الناجحة لخدمة الإرادة العامة لجميع الفئات والأقليات في المجتمع اليمني الواحد
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص