دوائر التفكير بين المستحيل والمُمكن!
 
بقلم /حسين الوادعي
 
أتذكر ذلك التفريق الذي وضعه محمد أركون بين مجالات/دوائر التفكير في المجتمعات
فقد قال إن كل مجتمع لديه ثلاث دوائر للتفكير.
الدائرة الأولى هي "المُفَكّر فيه"، وهو القضايا التي تَعَوّد المجتمع على نقاشها واشبعها بحثاً وتحليلاً.. واعتقد أن الإجابات المُقدمة في هذا المجال هي من نوع الإجابات الجاهزة والمكررة، وحجم النقد والتجديد فيها بسيط.
الدائرة الثانية هو "اللامُفَكّر فيه" ، وهو القضايا الحساسة والمسكوت عنها. أو القضايا المهملة والمختبئة بعيدا خلف مجالات التفكير. وأغلب قضايانا الحديثة من هذا النوع.
ولكي نحرك دائرة "اللامُفَكّر فيه" الى "المُفَكّر فيه" نحتاج إلى شيئين: 1) ضمان لحريات التعبير والحريات الفكرية والاكاديمية، و 2) تطوير لمناهج البحث والنقد والتفكير.
وداخل هذه الدائرة تقبع أغلب قضايانا السياسية والدينية والاجتماعية من العلمانية إلى الديمقراطية والعروبة واللغة والحريات وإعادة قراءة التاريخ الديني قراءة بشرية، وإعادة فهم وقائع الفتوحات والعبودية والتمييز العرقي والديني في التاريخ الإسلامي من وجهة نظر عصرية.
وتقع ضمن هذه الدائرة أيضا قضايا العنصرية المجتمعية المعاصرة، سواء كانت عنصرية على أساس الدين أو اللون أو العرق أو الجنس، وتقع القضايا الحساسة المتعلقة بحقوق المرأة وتحريرها من الواقع الدوني (المساواة في الميراث، المساواة في حقوق الزواج والطلاق، تحرير الجسد ..الخ)
الدائرة الثالثة هي "المستحيل التفكير فيه". والاستحالة هنا لها سببان: سبب متعلق بالحريات، وسبب معرفي هو ان هذا المجتمع لم يصل بعد إلى المستوى الفكري والعلمي لمناقشة هذه القضايا. وفي المجتمع العربي تدخل ضمن هذه الدائرة قضايا طبيعة الإله، وحقيقة وجوده من عدمه، وبشرية الأديان، وأصول العار والعيب والمحرمات،وقواعد السلوك الجنسي، وبشرية الكتب المقدسة وبشرية النبوة والوحي... الخ.
ونحن نلاحظ أنه كلما تقدم المجتمع تقلصت دائرتا اللامفكر فيه والمستحيل التفكير فيه، وتوسعت دائرة المفكر فيه. وهذا التوسع يتم عبر تحويل اللامفكر فيه والمستحيل التفكير فيه الى قضايا عادية مطروحه للنقاش.
إذا وضعنا شكلا تقريبيا للدوائر الثلاثة في المجتمع العربي سنجد دائرة كبيرة جدا هي "اللامفكر فيه " تجاورها دائرة متوسطة الحجم هي المستحيل التفكير فيه وفي الوسط دائرة صغيرة هي المفكر فيه...
لهذا فإن "تفكيرنا" اليومي في أغلبه هو إضراب عن التفكير، او تفكير بالعقل المستقيل، العقل الذي لا يتساءل ولا ينقد، حسب تعبير الجابري ولكنه يعيد تأكيد الأفكار السابقة..
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص