لص تلفونات أم بطل في مواجهة لصوص شرف؟

ما الذي كشفته اعترافات القتلة الخمسة وتصريحات المحققين في قضية تعذيب وقتل الشاب عبدالله الأغبري في التسجيلين اللذين نشرهما الحوثيون يومي أمس وأمس الأول؟

لا شيء سوى ما شاهدناه في الفيديو المسرب لتفاصيل حفلة الجريمة الشنعاء قبل أيام.

لم يقل لنا القتلة لماذا عذبوا عبدالله كل تلك الساعات وبتلك البشاعة حتى الموت، ولا المحققون الحوثيون قالوا لنا شيئاً باستثناء ضابط واحد تطرق لسبب الجريمة باقتضاب شديد، وقال إن القتلة قالوا إن سبب تعذيبهم وقتلهم للأغبري لقيامه بسرقة خمسة تلفونات!

لكن القتلة لم يتطرقوا في الاعترافات المنشورة لشيء من هذا. لقد وصفوا جانباً من حفلة الجريمة، بينما تحدث المحققون عن جانب بسيط من التحقيقات وتفاصيل الجريمة، وكل ذلك في فيديوهين قصيرين (٥:٣٠ دقيقة و٢:٤٠ دقيقة)، وربما ظن الحوثيون أنهم بهذا أسدلوا الستار على الجريمة التي هزت اليمن والضمائر الحية في كل العالم!

لكنهم بهذه الإعترافات المبتورة والمنقوصة لم يسدلوا الستار على هذه الجريمة قدرما قد يكونون أزاحوا الستار عن ما هو أكبر وأشنع وراءها.

الحوثيون ألقوا القبض على قتلة الأغبري، وهذا أمر جيد، وقد حسب لهم وتلقوا إشادة على ذلك حتى من قبل خصومهم. وعقد الكثيرون مقارنات بينهم وبين تعامل الميليشيات المناوئة لهم في تعز وعدن وغيرها من المناطق اليمنية المحررة من قبضتهم مع مثل هذه القضايا الجنائية. غير أن هذا لا يلغي واقع أن هذه الاعترافات المنشورة لا تمثل سوى مهزلة.

إنها مجتزأة ومختارة بعناية بحيث لا تتطرق الى سبب ودافع الجريمة الحقيقي، ولا تنقل لنا سوى النزر اليسير مما شاهدناه أكثر في فيديو الجريمة. وهذا يثير الشكوك حول تستر الجهات الأمنية والإعلامية الحوثية وتلاعبها بالقضية منذ البداية، ما يرجح أن وراء هذه الجريمة جبل من الجرائم المنظمة.

التسجيلان اللذان نشرهما الإعلام الأمني في وزارة الداخلية الخاضعة للحوثيين لم يعززا شيئا قدرما عززا الرواية التي تقول إن عبدالله الأغبري لم يعذب ويقتل بتلك الوحشية لأنه سرق خمسة موبايلات بل لأنه فضح عمليات ابتزاز جنسي وربما شبكة دعارة منظمة يديرها هؤلاء القتلة مستغلين ذاكرة جوالات الفتيات والنساء اليمنيات اللواتي يسوقهن حظهن العاثر إلى ذلك المحل.

لم يتطرق أي من الضباط الذين تحدثوا في التسجيلين لسبب ودافع الجريمة باستثناء واحد منهم فقط هو المساعد عبدالله الأسدي أشار- باقتضاب شديد- إلى سبب الجريمة قائلا إن القتلة قالوا إنهم عذبوا عبدالله حتى الموت لأنه سرق خمسة تلفونات.

لكن، لو كان عبدالله الأغبري سرق موبايلاتهم لذهبوا به إلى قسم الشرطة أو لأشبعوه ضرباً أمام الناس. فمن حق الناس في اليمن ضرب اللصوص الصغار والضعفاء على قارعة الشارع وعلى مرأى من الجميع وبمباركة وتصفيق كل من حضر وتفرج.

لماذا يضطر القتلة الخمسة لحبك تلك المؤامرة وإغلاق المحل كي لا يسمع الناس صوت صراخ عبدالله وأصوات تعذيبهم له؟

ولماذا يعذبونه كل تلك الساعات حتى الموت وهو لم يقم سوى بسرقة خمسة تلفونات؟!

هل يعقل أن تعذب أحدهم لساعات وتقوم بقطع شرايينه بـ”جنبيتك” وتتركه يتعذب وينزف حتى الموت لمجرد أنه سرق منك موبايلا أو خمسة أو عشرة؟!

أسئلة كثيرة تبرز في هذه الجريمة، وبعد هذه الاعترافات التي نشرها الحوثيون، سيبرز المزيد منها.

وقد بقيت اسئلة محيرة لي بعد استماعي للاعترافات وتصريحات المحققين، منها:

– لماذا يا ترى اختار القتلة الخمسة رواية سرقة عبدالله لخمسة تلفونات بالتحديد؟!

– هل اعتبروا هذا مبررا لاشتراكهم الخمسة في تعذيب وقتل عبدالله؟!

– هل يعني هذا أن عبدالله لو “سرق” أربعة تلفونات لكان أربعة منهم فقط اشتركوا في تعذيبه وقتله، ولو كان سرق تلفونا واحداً لكان عذبه وقتله شخص واحد منهم فقط؟!

الحبكة الساذجة لسبب قيام القتلة الخمسة بتعذيب وقتل عبدالله تشير منذ الوهلة الأولى لهشاشة وعدم صحة رواية القتلة.

هل قتلك الخمسة يا عبدالله لأنك سرقت خمسة تلفونات أم لأنك اعترضت على سرقتهم كرامة وشرف اليمنيات من خلال موبايلاتهن، اليمنيات اللواتي يسوقهن حظهن العاثر والرديء إلى براثنهم معتقداتٍ ومطمئناتٍ بأنهم سيصلحون خللاً في موبايلاتهن؟

بالنسبة لنا يا عبدالله لا نظنها الأولى بل الثانية.

بالنسبة لنا يا عبدالله لا نظنك لصاً بل بطلاً في مواجهة لصوص شرف.. وشهيداً في معركة شرف.
وستظل هكذا في نظرنا يا عبدالله حتى يثبت العكس.

لا يصح أن نستبق الأحداث والتحقيقات، أعرف هذا. لكن هذه هي الرواية المرجحة الآن وسط الرأي العام اليمني، وهي الأقرب للمنطق بالنسبة لكثيرين أنا منهم. ومع هذا لن نستبق الأحداث بحكم قاطع ليس بإمكاننا ولا من حقنا قطعه، لكننا سننتظر ما ستسفر عنه الأيام.

 

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص