الانتخابات الأمريكية.. لا الشيطان ذهب ولا الملاك جاء

لم تأت الانتخابات الأمريكية 2020م بجديد عما اعتاده المتابعون للتاريخ الانتخابي الأمريكي، سوى بكثافة المشاركين في التصويت وبعض الحدة في المواجهات الانتخابية، ولهذا خلفياته التي سأتحدث عنها في نقطة لاحقة.

الحديث عن الانقسام الرأسي في المجتمع الأمريكي حديث بلا معنى فالانتخابات التنافسية هي بين موقفين أو أكثر، وبالتالي فلا انتخابات بدون مواجهة وانقسام، بالمعنى السياسي للكلمة.

وفي كل الانتخابات الأمريكية وفي كل البلدان الديمقراطية (الرأسمالية) كان المجتمع ينقسم بين مؤيدي المتنافسين في الانتخابات، وستعود الأمور إلى طبيعتها بعد انتقال السلطة إلى الرئيس الفائز.

التغيرات الجوهرية في الانتخابات الأمريكية بين الحزبين العتيقين (الجمهوري والديمقراطي) على مر التاريخ كانت تتصل بالشأن الداخلي، وخصوصا فيما يتعلق بالنظام الضريبي والخدمات الاجتماعية والتأمينات الصحية.

فالديمقراطيون يسعون لتخفيف الأعباء فيها على الطبقات والفئات الفقيرة والوسطى ورفع الضرائب على كبار الملاك والرأسماليين، بينما يسعى الجمهوريون لتخفيف الأعباء عن كبار الرأسماليين من خلال تخفيف الضرائب عليهم وتحميل الطبقة الوسطى أعباء الحياة الفردية والعائلية من خلال إلغاء الإنفاق على التأمينات الاجتماعية والصحية وحريات التعليم والإعانات الاجتماعية بحجة تنشيط السوق وتوسيع المنافسة.

الجديد فقط هو تلك الحدة في المواجهة بين الفريقيين المتنافسين (الجمهوري ـ والديمقراطي) فقد اختفى الخطاب التقليدي الجمهوري أو كاد وحل محله الخطاب الترامبي القائم على الشعبوية والتهييج واللجوء إلى مفردات إثارة الكراهية والفجور في الخصومة، والحديث عن "اليسار المتطرف"، و"الاشتراكية" و"الشيوعية"، وغيرها من المفردات التي يخشاها الأمريكيون، بفعل التعبئة التاريخية للخصام والكراهية منذ زمن الحرب الباردة وتداعياتها في الذهنية الأمريكية.

العرب والمسلمون انقسموا فيما بينهم فقد وقف الغالبية منهم يترقبون بقلق، يتعطشون لفوز المرشح الديمقراطي اعتقادا منهم بأنه سيختلف عن ترامب الذي لم يسبق بأن عرفت الولايات المحتدة الأمريكية فجاجة كفجاجته واستهتارا كاستهتاره.

لكن الكثير من الزعامات العربية تمتعض من فوز بايدن وهزيمة ترامب لاعتقاد البعض أن بايدن سيكون أكثر مرونة من ترامب في التعامل مع الملف النووي الإيراني.

لا شيطان ترامب خرج من البيت الأبيض ولا ملاك بايدن سيحل محله، فالشيطان والملاك هي تهيؤات في الوعي السياسي العربي، أما بالنسبة للأمريكين فلا يهمهم من شأن العرب إلا الصفقات التجارية واستمرار الهيمنة الأمريكية على المنطقة ومنافذها الاستراتيجية ومصادر ثرواتها وخدمة المصالح الإسرائيلية وجعل المنطقة سوقا للسلاح الأمريكي وهو ما يقتضي الحفاظ على حالات الحروب المتفجرة هنا وهناك التي لو هدأت ستخسر الصناعة العسكرية الأمريكية مليارات الدولارات.

لن يلغي بايدن قرار ترامب باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل ولا قرار اعتبار الجولان أراضي إسرائيلية ولا قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، لكنه قد يتعامل ببعض المرونة مع الطرف الفلسطيني للمشاركة في مفاوضات لن تحقق نتيجة قبل نهاية فترة حكمه وربما فترته الثانية لو قدر له الفوز فيها.

قد يخفف بايدن من القيود التي صنعها ترامب على المهاجرين، من مختلف البلدان وبالذات من بلدان عربية وإسلامية محددة، وهذا ما قد يستفيد منه المخططون للجوء إلى أمريكا ويمكن أن يشكل هذا جزئية صغيرة لا معنى لها بالنسبة للقضايا المصيرية للأمتين العربية والإسلامية، خصوصا وأن المهاجرين من العرب والمسلمين وطوال قرون من هجرتهم لم ينجحوا في صناعة لوبي عربي أو إسلامي يدافع عن مصالح شعوبهم أو يساهم في صناعة القرار الأمريكي، ومعظمهم بعتبر الاندماج هو مجرد الانخراط الفردي في الحياة الأمريكية والحصول على شهادة تعليمية وفرصة عمل وكفى.

* من صفحة الكاتب على الفيسبوك

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص