صبر جميل
صبراً أيتها البلاد المبتلاة بالحوثيين والصراعات والكهنوت وتجار الحروب والقيادات المهاجرة.
سنوات من تكاتف قوى الشر للنيل من نبلك وشرفك وكبرياء العروبة فيك. سنوات من فجور المعتدين وخذلان المسؤولين، وأنت تجودين بخيرة أبنائك للدفاع عن شرف اليمنيين والعرب على رمالك الطاهرة وجبالك المقدسة، وتواجهين خطط وسلاح وحقد الإيرانيين الذين صمموا على أن يخوضوا معركتهم بأيد محلية لا تدرك مرامي مشروع طهران الكبير في تطويق المنقطة برمتها، لإخضاع العرب لهيمنة كسرى جديد، خدعهم عندما لبس عباءة النبي، ورفع شعار الحسين.
لا يأس في نفوس الرجال أيها اليمن الباذخ، ولا تراجع في عزائمهم، وقد رأى العالم رجالك في العبدية كيف رفضوا الحلول المخزية، وفضلوا الموت على حياة الذل والهوان، واستشهدوا واقفين، رجالاً قل نظائرهم في الرجال.
أرسل لي أحد شيوخ مأرب يقول: قل لمن تخاذل إن بطنها خير من ظهرها، وإن الموتى أسعد من الأحياء في زمن يراد فيه النيل من الكرامة.
ذكرتني كلمته تلك بعبارة شهيرة قالها القشيبي العظيم، الذي استشهد واقفاً في عمران، وهو يردد: "أنا لا أخون شرفي العسكري"، قبل أن يترجل فارساً شجاعاً، وظل مع مرور السنوات شهيداً إذا ذكر اسمه قالت الأرض: سلام الله عليه، في حين أن التاريخ سيمحو أسماء قتلته المجرمين، التاريخ نفسه الذي حفظ اسم الزبيري، في حين ذهب قتلته طي الخسة والعار والنسيان.
يعرف اليمن وتعرف مأرب ومن فيها أن الحرب ليست على مكون سياسي واحد، ولا على مأرب وحدها، ولا على اليمن، ولكنها حرب يردد من يخوضها - نيابة عن الإيرانيين – عبارات وشعارات وأهداف الإيرانيين المعروفة، غير أن من يخوضها نيابة عن "الكسرويين الجدد" لا يعرف تاريخ هذا الشعب، ولا روح هذه الجغرافيا.
والقارئ للتاريخ اليمني القديم والحديث يعرف جيداً أن طبيعة هذا الشعب وتضاريس هذه الأرض لن تُمكّن الحوثي ولا من وراءه من السيطرة.
قضى أحمد حميد الدين على ثورة 1948 وارتوت سيوفه من دماء ثوارها، واكتظت سجونه برجالها الأحرار، لكن الشعب لم يستكن، وقال جمال جميل للطاغية أحمد، وهو يتقدم للسياف رافعاً رأسه: "حبّلناها وستلد"، ولم يسقط اليمنيون في ظلمة اليأس، وظل الزبيري الذي نجا من المقصلة يُحرض اليمنيين على ضرب قوى الإمامة الرجعية، وجاء الثلايا في 1955 وعلق الطاغية رأسه على المقصلة، وما يئس اليمنيون، بل ساروا في موكب التحرر، وكمن الثوار للإمام في كوابيسه، إلى أن خرج له اللقية والعلفي والهندوانة وداسوا عليه في 1961 في مستشفى الحديدة، ثم أشرق فجر 26 سبتمبر 1962.
وفي كل مراحل تاريخهم لم يستسلم اليمنيون، رغم شراسة أساليب الكهنوت الإمامي المتلبس بعباءة النبي الكريم الذي لم يكن كاهناً ولا ساحراً، ولكن كان في كل مراحل حياته مثالاً رائعاً للبطولة والرجولة والمثالية والكمال الذي جذب إليه خيرة الرجال في العالم، وفتح القلوب قبل البلدان، وذلك قبل أن يلتفَّ بعباءته الكهنة واللصوص والدجالون وتجار المخدرات.
واليوم، ونحن على أعتاب مراحل فاصلة من هذه الحرب المفروضة فإن على القيادات اليمنية أن تعرف أن الوقت لم يعد يحتمل المزيد من المكايدات واللعب، وأن الأمر يتطلب توحيد الجهود في مأرب والساحل الغربي وعلى جبهات الحدود وفي جنوب البلاد، نحو معركة التحرير، وأي تحرير أشرف من دحر مشروع قائم على فرية افتراها كهنة دجالون أن الله اصطفاهم على اليمنيين، وأمر بتولية غِرٍّ طائش، استهوته الفرية، وخدعه ثناء المتملقين ومديح المداهنين عن حقيقة أنه يعيش بين ظهراني شعب عرف أن الركوع لغير الله مذلة.
إن هذا المشروع الذي كان أمس "إمامة كهنوتية" محصورة على اليمن أصبح اليوم "ولاية فاجرة" مرتبطة بمشروع إقليمي، يستهدف العرب في حضارتهم وثقافتهم ووجودهم الجغرافي والتاريخي. وهذا الكلام ليس من قبيل التخرصات أو التهويل، بل إن الكثير يعرف أن هذا المشروع أكبر من الحوثيين، الذين يعرف الجميع كذلك أنهم مجرد أداة رخيصة لخدمته ضد المصالح القومية العربية، التي باتت مهددة بشكل لم يسبق له مثيل.
كتبت مرة - والحوثيون لا يزالون في بعض مديرات صعدة - أن عيونهم على صعدة عاصمة دينية، وعلى صنعاء عاصمة سياسية، وكان الكثير يستبعد ذلك، وهاهو المستوصف الطبي الإيراني الذي أقامته طهران في شارع الجامعة وسط العاصمة صنعاء، قبل عدة عقود يحاول أن يلتهم البلاد كلها، وهيهات.
وعلى أية حال، ومهما كانت المآلات، فإن هذا المشروع لن ينجح، التاريخ يقول ذلك، والجغرافيا كذلك، والموجات القادمة من المشرق غالباً ما تتكسر في بلاد الشام ومصر في الشمال، وعلى أطراف الرمال جنوب الجزيرة العربية.
ستكون هناك تضحيات جسيمة، سنخسر خيرة الرجال، كما خسرناهم من قبل في دماج وحجور وعمران والحشا والضالع والعود وعتمة وآل حميقان والعبدية وغيرها، ولكنها حرب مفروضة، لم يسع لها اليمنيون، ولكن الإيرانيين هم من سعوا لها، جرياً وراء أوهام إمبراطورية قاتلة، منذ اليوم الأول الذي وضعوا فيه حجر الأساس لمستوصفهم الطبي المشؤوم.
أعرف أن النفوس مجروحة، وأن العبدية لا زالت دماؤها طرية، وأن الحوثيين يحاولون محاصرة جبل مراد، وتطويق مأرب، وأن القيادات لم تكن على مستوى الجرح الوطني – سياسياً وعسكرياً - وأن الكثيرين "زلزلوا زلزالاً كبيرا"، لكني أعرف أن الإمامة حاصرت الجمهورية في صنعاء سبعين يوماً، بعد ثورة سبتمبر، ولم يبق مع الجمهوريين إلا بعض أجزاء العاصمة، لكن الجمهورية انتصرت، وردد الشعب كله:
أفقنا على فجر يوم صبي
فيا ضحوات المنى إطربي
واليوم، والله لو عاد الحوثي إلى ساحل عدن، لما ساورني شك في هزيمته، لا لشيء إلا لأنه مجرد أداة تخريب وصراع في يد قوى أقليمية ودولية وفّرتْ له إمكانيات البقاء تسليحاً وتمويلاً، مع التضييق على اليمنيين في مواجهته.
إن اليمنيين اليوم في موقف المتقي المدافع عن كرامته وأرضه وعرضه، والمتقي منصور، "والله ولي المتقين".
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص