مروان الغفوري ...لا موت مشرف لصالح
غادر صالح هذه الحياة على طريقة ضحاياه. قتله الذين جلبهم ليقتلوا خصومه. لم يتوقف رجاله عند العبث بجثته بل ذهبوا يقتلون رجالاً آخرين من أسرته، ويختطفون آخرين. اقتحم رجال صالح منازله، وسرقوا ذهب نسائه. في المشهد الأخير أهالوا على جثمانه التراب في لحظة عامرة بالعظة.
 
  
 
كان الحوثيون هم رجال صالح. في العام 2011 كتبت مقالاً أوردتُ فيه اقتباساً من "دو لابويسي" في العبودية المختارة: قتل أغلب ملوك الرومان على أيد حراسهم ورجالهم. ولا بد أنه نجا من محاولة القتل الأولى، في المسجد. انتهت تلك المحاولة برد فعل انتقامي وفوري طال عسكراً وضباطاً وبقي الرصاص هادراً ليلة كاملة حتى الفجر، ثم أغلق ملف القضية إلى الأبد، ولم نعرف عنها شيئاً على وجه الدقة.
 
 كان صالح يسوق السياسة كلها تجاه موته المحتم، أو موت خصومه. فقد كان يؤزم المشهد السياسي، يلغي الاتفاقات أو يمزقها، كما فعل مع آخر وثيقة وطنية وقعها مع المعارضة في 28 أكتوبر 2010. ثم بعد ذلك، بعد أن يضع حداً للسياسة، يخرج ليردد: سيصل الدم إلى الركب. وإذا خانته العبارة تلك فإنه يعثر على تلك الأخرى التي تقول: سيحدث قتالٌ من طاقة إلى طاقة.
 
 "
 
بقي صالح يقاتل، يشعل مواجهات، يغذي معارك، ويدير الحروب بالحروب. حتى إنه اكتشف، بطريقته، أن أفضل وسيلة لإدارة الوحدة اليمنية هي الحرب
 
"
 
دخل صالح إلى العلانية عبر الجثث. كانت لحظة دخوله مهيبة ومريبة، فقد سمع اليمنيون اسم صالح لأول مرة مقروناً بمقتل الرئيس الحمدي، ثم ملحقاً بمجزرة طالت أكثر من ألف شيخ قبلي ينتمون إلى اليمن الأوسط. بعد مضي وقت قصير كان صالح قد ارتبط بمجزرة موحشة طالت قيادات التنظيم الناصري الأولى والثانية. في الأعوام الثلاثة الأولى لصالح في السلطة وقريباً منها سمع اليمنيون عن ثلاثة جرائم مروعة، كان مقتل رئيسهم هي الجريمة الأكثر رهبة.
 
 
 
 
 
بهذا الدخول المروع أطل صالح على الحياة في اليمن، ثم بقي ثلث قرن من الزمن يتحدث عن الوسيلة الديموقراطية الشريفة التي جاءت بها. ولم يجرؤ أحد، بعد ذلك، على أن يصرخ في وجهه بالقول إن طريق الجثث ليس هو طريق الديموقراطية. مع الأيام صار صالح الرجل الوحيد الذي يعرف أين تختفي الجثث.
 
 
 
بقي يقاتل، يشعل مواجهات، يغذي معارك، ويدير الحروب بالحروب. حتى إنه اكتشف، بطريقته، أن أفضل وسيلة لإدارة الوحدة اليمنية هي الحرب. انتهى حلم الوحدة اليمنية، الذي أحاطته أغنيات قرن كامل، خلال ثلاثة أعوام. أما زميله الذي قدم إليه من عدن ليوقع معه عقد الوحدة فقد نال حكماً بالإعدام خلال وقت قصير. قفز الإسلاميون السياسيون إلى عربته وانطلقوا يخوضون حرباً إلى جوارهم، لكنه سرعان ما نكبهم ما إن وضعت الحرب أوزارها. وعندما سئل عن ذلك قال ضاحكاً: كانوا مجرد كارت.
 
وهو يتخلص من الإسلاميين السياسيين كان قد اكتشف الطريق إلى السلفيين. استخدم الأخيرين في أعماله اليومية، وعلى وجه الخصوص في الهجوم اليومي على الديموقراطية. بلغ استخدامه السلفيين في 2006 مداه، عندما أعلن أبو الحسن المأربي في مهرجان انتخابي بحضور صالح: من أتاكم وأمركم على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه. كان صالح يهز رأسه سعيداً بما يسمعه، موافقاً بطريقة ما على ما يقوله كبير السلفيين: القتل هو ما يستحقه مرشح الرئاسة الآخر. لكن عُمر السلفيين في معية صالح لم يدم كثيراً. فبعد ستة أعوام فقط من اصطفافهم معه على ذلك النحو المدوي في انتخابات 2006 كان صالح يدفع حلفاءه الجدد، الحوثيين، إلى البطش بهم كما رأينا في دماج.
 
   "ذهب الحوثيون يبطشون بخصوم صالح أولاً، ثم بخصومهم بعد ذلك. بعد ثلاثة أعوام كان الحوثيون، كما صالح، قد انتهوا هزيمة من خصومهم ووجدا نفسيهما وجهاً لوجه: صالح في مواجهة الحوثي "
 
 الجزيرة
 
 
في العام 2011 وجد صالح نفسه أمام ثورة شعبية ضمن مزاج دولي مواتٍ. تحرج، تحت ضغط نجاح الثورات في مصر وتونس وليبيا، من مهاجمة الانتفاضة في بلده لكنه لم يقف مكتوف الأيدي. عاد إلى مخزنه واستخرج آلاته التي يجربها دائماً: القتل، والقتل البشع. دفع الحوثيين والقاعدة لمهاجمة الثورة. شهد العام 2011 أكبر موجة توسع لكل من القاعدة في الجنوب والحوثيين في الشمال. في ذلك العام سيطر الحوثيون على كل صعدة، لأول مرة في تاريخهم، وأجزاء واسعة من حجة وعمران. وجنوباً سقطت على الأقل محافظتين في قبضة القاعدة.
 
انزلقت الثورة إلى عملية سياسية انتهت بوصول هادي إلى السلطة. لم يكن هادي هو المشكلة الجديدة التي طرأت أمام صالح بل ما رافقها من نقاش سياسي أفضى إلى إنجاز مسودة وطنية من حوالي 1800 مادة، وصياغة دستور وفقاً لذلك. صالح، المهووس بالسلطة والأبدية، وجد تهديداً مباشراً في مشروع الانتقال إلى نظام جديد للحاكم 
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص