عصامية السلال ومن جاء بعده
عندما غادر صنعاء قبيل زيارته للعراق شعر أن هناك شيءٌ ما يعتمل، لم يوصهم بشيء يتعلق بشخصه وأحفاده وبيته المتواضع "قال لهم الثورة أمانة في أعناقكم" وعندما فعلوها أرسل لهم "الميري" ونياشينه ورتبه لاعتقاده أنهم يمثلون الوطن إنسانه هضابه وترابه، ولا يجب أن يكونوا عنه بعيد، وتقبل الأمر برضى وعن طيب خاطر وذهب ليستقر بأرض الكنانة دون تخطيط لهدم الثورة أو نية الانتقام لا حزن عليهم ولا عزاء فيه وفي رفاقه فقد اختارهم الله أعلاماً للهدى وأمثلة للبطولة والفداء.
لأنهم اختاروا قبورهم قبل وفاتهم حفروها في حدقات الناس وقلوبهم، رفقاء لشهداء عند ربهم أحياء، باتوا رموزًا ومصدر فخرٍ لأحفادهم و رحلوا أعلاماً للوطن، ولا عزاء فيهم لأنهم لم يموتوا، كل قطرة دم سالت من عروقهم أشعلت الحمية في عروق رفقاء السلاح ثبتوا كالصخور على رؤوس الجبال وانداحوا كالغيم في بطون الأودية، ستنبت أبطالًا تحمل أرواحهم العزة و تمخر أرض البطولات وتحرث أرض الفداء، حتماً سينتصر أسلافهم وينتصر القدر.
اصطفاهم الله من بين الطواويس منتفخي الذات العالية علوج العمالة والإمامة، عندما لاحت راياتهم تلاشت أرواحهم ذابت في جحيم ثوريتهم الفاصلة تقزمت قاماتهم وانكمشت وجوههم غدت الأمراض النفسية والجسدية مخرجاً للهرب هربوا، ونهض للثورة من اختيروا لحمل البندقية.
محطات النضال الوطني تركت الدروس حول عظائم الرجال كانت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر هي المحك والمختبر الذي أفرز الرجال عشاق الحرية والوطن، تحديدًا مرحلة حصار السبعين يومًا، عندما تملص كبار القادة وحاملي ثقال الرتب عن تحمل المسؤولية وانبرى لها حديثو السن صغار الضباط وأطلقوا شعار "الجمهورية أو الموت" قاتلوا حتى انتصروا وأعطى التاريخ كُلًّا حقه واستحقاقه وموقعه من البطولة والمجد تقرأه الأجيال جيلًا إثرَ جيلٍ.
حصحصت الأحداث الوطنية وصهرت مختبراتها الكثير من معادن الرجال من المؤمنين رجال وليس كل ذكر من عداد الرجال، أفرغت ثورة الشباب السلمية كل الكنائن وانطلقت منها السهام الحقيقية اصطفافًا مع هتافات الشعب المطالبة بالتغيير ورأى الناس أصحاب الحق وأعوان الباطل تلتها محطة الموجه المضادة لتلك الثورة واقتحام صنعاء بفعل ثنائية الانقلاب نزعت الأقنعة عن الكثير من الوجوه الخشبية أفرزت المعادن الوطنية الأصيلة من الدراهم من مخلفات الخردة، من بائعي الوهم من ضاربي المندل ونافخي مزامير الشيطان، من المنهزمين وأصحاب المشاريع الرجعية وبائعي الوهم رواد الموائد صائغي القصائد.
توزع الناس بين حاقد وناقم بين مستسلم وخانع وخائف مستكين فاقد الحيلة ومستمتع بالتشفي، انساقت الغالبية مع موجة القوة مع مخازن التسليح في بطون الجبال مع الأسلحة المنهوبة مع الوحدات والمعسكرات الخانعة، أحدث الدبابات المصانة صمتت والعربات وراجمات الصواريخ وصنوف الأسلحة تحسرت لوقوعها في أيدي من لا يستحق، لكن ثورية السلال ورفاقه لازالت في قلوب الناس تغتلي وتثور ولن يحقق الواهمون أحلامهم.
اصطف الناس مع البنك الذي كان في خزائنه ما عرفه الناس من الأرقام المهولة من العملة الصعبة والوطنية، ذكر الدكتور أحمد الصوفي السكرتير الصحفي للرئيس السابق في شهادته على الأحداث عندما قبض علينا في أحداث أغسطس ومقتل الرئيس صالح أخذونا إلى قسم الشرطة وجدنا فيه ضباط يحملون الرتب الكبيرة والشعار الجمهوري يأتمرون بأمر الميليشيا يا لهول الفاجعة انهدم المعبد الجمهوري في ذواتهم وباتوا دمى تحركهم المصلحة والراتب الشهري المنقطع.
وبات الضابط حامل شعار الجمهورية يفترش الأرض يحاضره لابس الزنة الرمادية اللسان الثقيل والعيون الزائغة، وأضاف الصوفي أدخلونا إلى سجن هبرة فإذا بأمواج من قادة الحرس الجمهوري من مختلف الرتب تساق إلى السجن خائرةً منهزمة ستون عاماً من التدريب والتأهيل والنشيد الوطني وشعارات الثورة والجمهورية، حدث فاجع تلاشت القباب الطينية مع أول صيحة من أصحاب القبور باتوا منهم غير أنهم يتحركون.
ذهب الأقيال الشجعان أحفاد السلال مع الوطن وحملوا رايات الثورة والجمهورية أسسوا لجيشٍ وطني جديد تجديداً لجيشه وصفوفه، أعلنوها صراحة مدويةً في السماء وتلك الصفوة التي يصطفيها الله عادةً للأوطان من بين عباده كالأنبياء الذين يختارهم رسلَ الأقوام لتطهيرها من أرجاس الشرك وتحط عنهم اثقال الجهل وتعيد صياغة أحلامهم كبشر كرمهم الله عن باقي الخلائق.
انبثقوا كالنور من غسق الظلام حملوا الراية لم يسمع عنهم أحد من قبل اختارهم الله صفوةً نورانيةً لتحرير الشعب كانوا في مخزون العقل الباطن في قلوب الناس ادخرهم الوطن لوقت الحاجة منهم من ارتقت روحه تحفها الملائكةُ للسماء عبدالرب الشدادي عدنان الحمادي محمود شعلان، أمين الوائلي، محمد عبدالله المخلافي، محمد اليافعي، حمزة شداد، وعبده نعمان الزريقي ومنهم من لايزال يحمل الراية " لسان الحال
كلما ولّى عن الساحات فيكِ
عظيمٌ شهدت منا عظيما
خلفه نمضي.. ولا خلف لنا
ما مضى فينا أميناً مستقيما
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص